عالم افضل - الميلاد
المكان كله راح يرتج يا حضرات الباشاوات.. كأن مسًّا من الجان أصاب كل شيء. الماكينات.. الأجهزة.. الكراسي والترابيزات.. الشاشات.. مؤشرات العدادات راحت تتقافز بجنون. ثم...
المكان كله راح يرتج يا حضرات الباشاوات.. كأن مسًّا من الجان أصاب كل شيء. الماكينات.. الأجهزة.. الكراسي والترابيزات.. الشاشات.. مؤشرات العدادات راحت تتقافز بجنون. ثم تلك الصرخة العاتية. شهقنا وتراجعنا جميعًا متخبطين في رعبٍ هائل. تجمدت عيناي على باب البوتقة التي تضم البطارية رقم (...). الباب المصنوع من الفولاذ راح يهتز كورقة، سمعت صوت طقطقة مفاصله، ثم رأيت بعينيّ هاتين، أطرافه تنثني.. تتجعد.. ثم لم يلبث أن -والله العظيم ثلاثًا- ذاب كقالب من الزبد.. ثوانٍ قليلة بدت لي كدهرٍ كامل، ثم خلت فتحة البوتقة من أيّ حواجز تحجب ما بداخلها. وفي اللحظة التالية، انفجرت مصابيح النيون كلها، وامتزجت الشرارات بشظايا الزجاج في الهواء. كان دويًا هائلاً، ساد بعده ظلام دامس، رحنا جميعًا نصرخ بعزم ما فينا، وقد ألصقنا ظهورنا بجدران القاعة. من وسط صراخنا، ميزت بوضوح صوت خطوات على مقربة منّي. خطواته. خطوات الشيطان الذي خرج من البوتقة! لا يا حضرات، أنا لا أبالغ ولا أهذي والله.. لقد رأيته رأي العين في ضوء كشاف المحمول الذي أضأته بأصابع مرتعشة محمومة. كان غولاً حقيقيًّا كما نقلت لنا حكايات الآباء والأجداد. جسد عملاق، مفتول العضلات، أسود اللون كقلب الكافر، العينان جمرتان من النار، وثمة بخار يندلع من منخاره.. أما الساقان، فساقا ماعز.. وقبل أن تنفجر شاشة التليفون، لمحت الأرضيّة المصنوعة من القنالتكس تذوب في موضع خطواته. زحفت مبتعدًا بحركات متشنجة، ثم نهضت وهرولت متجهًا نحو السلم المعدني المؤدي إلى أعلى.