بصورة مفاجئة
" اعتاد أبي أن يضع في لسان العرب الرسائل التي يعثر عيها في صناديق أو حقائب مركونة منذ سنوات، وأحيانًا كان يقرأ لي مقاطع منها...
" اعتاد أبي أن يضع في لسان العرب الرسائل التي يعثر عيها في صناديق أو حقائب مركونة منذ سنوات، وأحيانًا كان يقرأ لي مقاطع منها كتبها أصدقاؤه الذين رحلوا عن دنيانا أو لم يلتقِ بهم منذ وقت بعيد. ويضحك وهو يريني جُملًا عكَس كاتبها ترتيب حروفها. ويشتد ضحكه حينما أنجح في قراءتها. كنت أراها جُملا عادية لا تستحق أن تكون "مُشفرة " كما اعتاد أن يصفها، فما السر الخطير الذي يفهمه أي شخص حينما يقرأ "سأذهب غدًا إلى المكان الموعود"، أو "كيف حالك في دنياك الجديدة؟"، كان يبرر التشفير بأنه مجرد عادة اعتادوا عليها، لكنني كنت أعلم أن وراء كل جُملة مشفرة حكاية لم يحكها لي. " قصص " بصورة مفاجئة " تستعيد للأشياء المألوفة قدرتها على أن تفاجئنا، وتفتح لقارئها نافذة على ذاته، على طزاجة خبراته الأولى، تلك الأشياء التي كلما ابتعدنا عنها ازداد إحساسنا بحضورها، ذلك الحضور الذي يجعلنا نقرأ حكاية ونشعر أننا عشناها، نشعر أن شخوصها مروا في حياتنا لكن يصعب علينا تذكر ملامحهم أو أسمائهم، هكذا تدخلنا الحكايات في لعبة ميكانو نجمع فيها شظايا التكرار الذي إذا اكتمل سيكون على عكس ما نعرفه عنه صانعًا للدهشة. بلغة شديدة الاقتصاد، يدفعنا منتصر القفاش إلى الكلام، إلى الحوار مع مفردات عالمه، إلى بناء شراكة لا غنى عنها من أجل أن يستعيد كل منا تلك المسافة اللازمة لاكتشاف الدهشة.