مصر يا عبله: سنوات التكوين
أول هدية تلقيتها في حياتي كانت علبة طباشير ملون من ناظرة المدرسة الابتدائية «أبلة نجية»، وهي التي اعتادت من قبل أن تعاقبني على شخبطاتي التي...
أول هدية تلقيتها في حياتي كانت علبة طباشير ملون من ناظرة المدرسة الابتدائية «أبلة نجية»، وهي التي اعتادت من قبل أن تعاقبني على شخبطاتي التي ترى أنني أُشوِّہ بها جدران المدرسة، تغيرت الحال بعد أن زار المدرسة مفتش التربية الفنية، وطلب مني أن أرسم على السبورة مباراة لكرة القدم بين فريقَي الأهلي والزمالك، ولما فرغت من الرسم، وأُعجب به، أوصى الناظرة بمكافأتي، وقال لها: «اهتمي بيه.. ده فنان». رافقني هذا اللقب من يومها طيلة سنوات دراستي، وكان عذرًا لي إذا ارتكبت أي خطأ: «أصله فنان».
برهافة وجرأة ريشة فنان شجاع، يأخذنا الفنان «محمد عبله» عبر هذا الكتاب إلى رحلة ثرية ومُلهمة مليئة بالكفاح وصور الصمود من أجل الفن.
وتستحوذ سنوات الدراسة الفارقة داخل كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية على مساحة كبيرة من ذكريات الفنان، خلال فترة زمنية صعبة؛ هي سنوات السبعينيات؛ التي حفلت بالكثير من المتغيرات والتحولات، كما اشتبك فيها السياسي مع الديني وانعكس على كافة تفاصيل الحياة اليومية
يكشف عبله كيف تمكّن مع فناني جيله من التفاعل معها صعودًا وهبوطًا؛ فقد عاش سنوات البدايات الصعبة، وصاغ أسئلتها القلقة بروح المغامر الراغب في خوض الكثير من التجارب الفنية والإنسانية، وقد ظهر أثرها جليًّا في المسارات اللاحقة للفنان، كما بلورت منجزه وساهمت في تشكيله. يكتب الفنان شهادته الحية عما عاشه بأقصى درجات الصدق والبساطة، والعفوية، مراهنًا على ثراء التجربة وطابعها الحيوي، كما يتوقف أمام بعض الرموز الثقافية والفنية التي تقاطع معها عبر مسيرته، ومنهم مَن ساعد ومَن تخاذل.